فِرَاسَةُ الأَبْطَال للشاعر سلمان عبد الحسين

سلمان عبد الحسين

سُبْحَانَ مَنْ يتفرَّسُ الأَبْطَالا
فَيَرَىْ الوُجُوهَ مِنْ المُهُودِ مَآلا

وَيَرَىْ البُطُولَةَ فِيْ البُطُونِ مَراتِعاً
خَصْبٌ رَأَىْ رَيَّ السُّيُوفِ زُلالا

فَفِرَاسَةُ الأَبْطَالِ لَيْسَ قِيَاسُ قَامَاتٍ
وَقَدْ قُدَّتْ .. أَلا تَتَفَرَّسُ الأَطْفَالا

وَتَغُوصُ فِيْ الأَحْسَابِ وَالأَصْلابِ كَيْ
تَبْدُو الوُجُوهُ وَقَدْ حَضَرْنَ صِلالا

فَالسَيْفُ كَالمَجْذُوذِ يُصْبِحُ حِيْنَما
عَنْ أَصْلِ حَامِلِهِ الدَّعِيِّ أَمَالا

وَيَعُودُ صَيْقَلُهُ الفِرَنْدُ مُشَابِهاً
أَصْلَ الفَتَىْ .. هُوَ صَقْلُ ذَاكَ خِصَالا

قَالَ الفَتَىْ: إِنِّي لَكَوْنٌ مِنْ أَبِيْ
فَأَنَا أَبِيْ .. قَدْ كُنْتُ مِنهُ ظِلالا

فَإِذَا مَضَىْ قَدْ كُنْتُهُ الأَصْلَ الذِيْ
إِنْ قَامَ يَنْسَخُ .. يَنْسَخُ الآصالا

قَالَ الفَتَىْ عَبَّاسُ حَيْدَرَةٌ أَبِيْ
وَبِحَصْرِ ذَا صُلْباً بَلَغْتُ نَوَالا

“لَيْسَ الفَتَىْ مَنْ قَالَ كَان أَبِيْ” .. ألا
قَدْ قََالَها عَبَّاسُ .. كَانَ مِثَالا

وَلَقَدْ تَفَرَّسَكَ الوَصِيُّ بِأُمِّكُمْ
وَبِأُمِّكُمْ أَشْبَهْتَ مِنْهُ الحَالا

وَكَأَنَّ صُوْرَتَكَ التِيْ نُسَخِتْ عَلَىْ
وَجْهِ الوَصِيِّ تَنَاسَخَتْ تِمْثَالا

وَالرَّحْمُ كَانَ وِعَاءَ صَقْلٍ مَالِئٍ
دُنْيَا المَخَاضِ فُتُوَّةً وَجَمَالا

مِنْ نُطَفَةٍ لِلسَّيْفِ قَدَّتْ زَهْرَةً
وَالسَّيْفُ طَوَّحَ بِالعُطُورِ مَجَالا

كُلُّ المَدَىْ لِلطِّفْلِ .. قَلَّدَ سَيْفَهُ
ذَاكَ المَدَىْ .. وَأَتَىْ بِهِ تِفْصَالا

هُوَ فِيْ مَخَاضِ المَهْدِ فَتَّحَ عَيْنَهُ
وَشَرِيْطُ مَعْرَكَةِ الطُفُوفِ تَتَالَىْ

وَتَفَتَّقَتْ صِفِّيْنُ عَنْ زِنْدٍ لَهُ
لَمْ يَعْرِفَنَّ إِلَىْ المُهُودِ دَلالا

إِنْ كَانَ هَدْهَدَ مَهْدَهُ .. أَوْحَىْ لَهُ
هَذِيْ حُرُوبُكَ فَابْدَأْ الزِّلْزَالا

أَوْ كَانَ رَاعَىْ صُغْرَ سِنٍّ فَارْتَدَىْ
مِنْ صُغْرِ سِنٍّ مَا أَخَافَ رِجَالا

هُوَ يَرْتَدِيْ العَبَّاسَ صَيْقَلُ حَيْدَرٍ
بَلَغَ الفَقَارَ طُفُولَةً .. فَأَقَالا

وَمِنَ الفُتُوَّةِ .. مَا الرَّجَالُ بِقَدْرِهِ
رَضَعُوا السُّيُوفَ مَحَالِباً أَبْدَالا

وَرَأَوْا بِأَغْمَادٍ لَهَا دَراًّ إِلَىْ
تَلْكَ المَحَالِبِ إِذْ غَمَدْنَ نِصَالا

فَالسَّيْفُ مَكْسُورٌ عَلَىْ حَلَمَاتِهَا
وَالثَّدْيُ مِنْ وَرَمِ الرِّضَاعِ أَطَالا

* * *

عَبَّاسُ فِيْ دُنْياً تُخضِّعُ أَهْلَهَا
وَتَرَىْ البُطُولَةَ نَزْوَةً وَخَبَالا

وَجَمِيْعُ أَقْمَارِ البُطُولَةِ أُخْبِتُوا
وَالذُلُّ أَكْثَرُ مَنْ أَطَلَّ هِلالا

الطَّالِبُونَ إِلَيْكَ زَادَ لِجَاجُهُمْ
طَلَبُ الرَّجَاءِ وَمَنْ يُرِيْدُ زَوَالا

وَكَأَنَّ شَعْبَانَ التَّرَقُّبِ حِيْنَمَا
بِكَ فَاطِمٌ وَضَعَتْ لَنَا الأَحْمَالا

قَدْ صَار فِسْطَاطَيْنِ .. فِسْطَاطٌ مِنَ الـ
تَّرْحِيْبِ يَفْرُشُ ضِحْكَةٌ وَقِتَالا

وَسُحُوْبُ فِسْطَاطٍ لِمَقْدَمِكُمْ .. نَحَىْ
سَجَّادَ مَوْتٍ يَبْسُطُ الآجَالا

مُسْتَبْشِراً بِكَ حَيْدَرٌ .. وَبِضِدِّهِ
فَرْعَوْنُ فِيْ مُوْسَاكَ حَارَ سُؤَالا

حَرْثُ البُّطُولَةِ فِيْ زَمَانِ تَقْهْقُرٍ
خَصْبٌ وَلَوْ قَدْ أُلْبِسَ الأَسْمَالا

وَلَأَنْتَ مِنْ حَرْثِ البُطُولَةِ سَيِّدِيْ
سَيْفُ اخْضِرَارٍ خَطَّم الأَفْيَالا

أَفْيَالُ قَدْ سَحَقَتْ إِلَىْ بُلْدَانِنَا
فَغَدَتْ بِلا كَعْبَاتِهَا أَطْلالا

وَبِقَلْبِ أَبْرَهَةَ الذِيْ قَدْ حَجَّنَا
حِقْداً .. يُطَوِّبُ خَيْمَةً وَجِمَالا

جَمَلُ الضَّغِيْنَةِ يَا عَلِيٌّ وَاقِفٌ
وَيَرَىْ بِعَبَّاسِ الفَتَىْ الأَغْلَالا

وَيُحَاسِبُ الأَصْلابَ عَنْهُ لِأَنَّهُ
قَدْ كَانَ مِنْكَ يُنَاقِصُ الأَطْوَالا

وَبِإِرْثِ فِرْعَوْنَ التَّوَجُّسُ خِيْفَةً
مِنْ يَوْمِ مَوْلِدِهِ اسْتَحَالَ عُضَالا

أَنْتَ الذِيْ مِنْكَ التَّخَيُّرُ .. طَالِباً
رَحِمَ البُطُولَةِ .. تُوْدِعُ الآمَالا

وَلَقَدْ أَتَى العَبَّاسُ حَامِلَ رَايَةٍ
فِيْ مَهْدِهِ .. وَرَضِيْتَ ذَاكَ وِصَالا

فَاقْبَلْ عَلَيْهِ جُنُونَ فِرْعَونٍ .. أَلا
عَتَهُ التَّوَجُّسِ قَدْ يُطِيْحُ خَيَالا

مَاذَا إِذَا قَدْ كَانَ مِنْكَ سَلِيْقَةً
بِالسَّيْفِ .. نَضْرِبُ حَوْلَهُ الأَمْثَالا؟!

فَالشَّانِئُونَ إِلَيْكَ عَنْ أُمِّ الفَتَىْ
وَضَعُوا عَلَىْ رَحْمِ النِّسَا الأَقْفَالا

كَانَ الفَتَىْ القَمَرِيُّ .. أَصْبَحَ بَدْرُهُمْ
خَسْفاً .. وَهَاشِمُ بَدْرُها يَتَلالَا

كَانَ القَوِيَّ الزِّنْدِ .. يَرْبُطَ كَرْبَلا
فِيْ زِنْدِهِ .. وَيُحَرِّكُ الأَهْوَالا

عَرِفُوا بَأَنَّ زُنُوْدَهُم أَكْيَاسُ لَمْ
تُنْفَخْ .. وَلا مَا حَرَّكُوا صِلْصَالا

وَرَأَوْهُ كِفْلاً قَدْ تَعَادَلَ عِنْدَهُ
حِمْلُ الدُّنَا مَعَ زَيْنَبٍ أَكْفَالا

وَلِأَنَّهُمْ لا لَيْسَ أَعْدَالٌ لَهُ
قَالَوا فَعَبَّاسٌ أَتَىْ إِخْلالا

لا وَزْنَ فِيْ كَوْنٍ لِعَبَّاسٍ بِهِ
حَقُّ الكَفَالَةِ .. ضَيَّعَ الأَعْدالا

لا وَزْنَ فِيْ كَوْنٍ زُنُوْدٌ مِنْهُ قَدْ
حَمَلَتْ .. وَحِمْلٌ نَبْتَغِيْ قَدْ مَالا

وَزْنُ البُطُوْلَةٍ وَزْنُ أَصْلابٍ وَقَدْ
طَهُرَتْ .. وَهَذَا الطُّهْرُ كَانَ جِبَالا

وَالعَدْلُ فِيْ عَبَاسَّ ظُلْمُ صَغَائِرٍ
كَبُرَتْ بُطُولَتُهَا هَوىً وَجِدَالا

لَيْسَتْ نَظَائِرُ بَلْ حَضَائِرُ أُتْرِعَتْ
بِدُيُوكَ مَا شَغَلٌوا إِلَيْنَا بَالا

مِنْ كُلِّ مَنْفُوخٍ وَيَعْلُو صَوْتُهُ
وَالبُّوُّ يُتْرَكُ هَكَذَا إِهْمَالا

أَمَّا مَعَ العَبَّاسِ بِدْءُ بُطُولَةٍ
تُحْكَىْ كَأَوْحَدِ قِصَّةٍ مِثْقَالا

تُحْكَىْ لِتُثْلِجَ قَلْبَ مَهْزُوْمٍ بِلا
سَنَدٍ لكي لا يُدْمِنَ الإَذْلالا

تُحْكَىْ لِأَطْفَال الدَّلالِ لِيَحْفَظُوا
دَرْسَ البُطُولَةِ حُظْوَةً وَنِضَالا

وَكَذَاكَ تُحْكَىْ خِيْفَةً وَتَوَجُّساً
غَرَقاً بِهَا فِرْعَوْنُ قَالَ فَنَالا

تُحْكَىْ لِتُفْرِحَ حَيْدَراً بِعِيَالِهِ
لِحُسَيْنَ عَدَّدَ فِيْ الزَّمَانِ عِيَالا

كِيْ لا يَعِيْشَ بِحِيْرَةٍ فِيْ كَرْبَلا
عَبَّاسُ قُدَّ عَلَىْ الحُسَيْنِ فِصَالا

فِيْ رَابِعٍ قَد كَانَ مَوْلِدُهُ وَلَمْ
يَكُ ثَالِثا .. ثَانٍ .. أَتَىْ إِمْهَالا

كَيْمَا يُقَدِّمَ لِلْحُسَيْنِ بِثَالِثٍ
بَطَلٌ وَلَمْ يَأْتِ لَنَا اسْتِعْجَالا

هُوَ شَاء أَنْ يَأتِ الحُسَيْنَ بِيَوْمِهِ
وَيُتِمَّ نُورَ مُحَمَّدٍ إِكْمَالا

مِنْ ثُم يَأْتِىْ مِنْ بَهَاءِ أَبِيْهِ فالـ
عَبَّاسُ بِالكَّرَارِ زَادَ جَلالا

لِيَكُونَ بِالمِيْلادِ بَعْدَ أَخٍ لَهُ
وَإِذْ القِتَالُ مَقَدَّماً أَمْيَالا

* * *

عَبُّاسُ فِيْ دُنْيَا الفَرَاعِيْنِ التِيْ
تَتَفَرَّسُ الأَطْفَالَ وَالأَدْغَالا

فَتَرَىْ بِهَذَا الطِّفْلِ غَابَةَ سَعْيِهَا
وَالوَجْهُ أَثْمَرَ سِقْطَةٍ إِهْمَالا

لابُدَّ نَحْفَظُ مِنْكَ وَجْهَ طُفُوْلَةٍ
جَعَلَ الطُّفُولَةَ يَقْظَةً إِشْغَالا

فَالوَجْهُ مُشْتَغَلٌ عَلَيْهِ بِطِفْلِنَا
فِيْهِ الضَّيَاعُ تَعَشَّقَ الإِيْغَالا

وَالقَامُ غُصْنٌ هَانَ مَشْهَدُ كَسْرِهِ
مَنْ أَنْ يَمِيْلَ بِرَايَةٍ إِضْلالا

وَالكَفُّ مِنْ رِيْشِ النَّعَامِ تَنَعَّمَتْ
حَتَّىْ الأَظَافِرُ طُرِّزَتْ أَشْكَالا

زَمَنُ الحُرُوبِ يُرِيْدُ مِثْلِيِّيْنَ كَيْ
تَضَعَ الحُرُوْبُ بِوِزْرِهَا مُحْتَالا

زَمَنُ الحُرُوبِ سَيَسْرِقُ الأَطْفَالَ
حِرْمَاناً .. وَيُتْماً .. قَسْوَةً .. وَنَكَالا

وَكَذَاكَ يَسْرِقُهُمْ بِخَطْفِ كَيَانِهِمْ
أَلاَّ يَكُونُوا فِيْ الحَيَاة رِجَالا

كَشَّافُ فِرْعَوْنٍ عَلَيْهِمْ أَيْنَمَا
حَلُّوْا بِتَفْصِيْلِ القِطَافِ غِلالا

إِمَّا غِلالُ الدَّمِّ بَطْشاً قَسْوةً
وَالجُرْمُ طَبَّعَهُمْ غَدَا اسْتِسْهَالا

أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا ثِمَاراً نَيَّةً
بِقَطَافِهَا هَمَدَتْ لِهُ اسْتِئْكَالا

وَلِأَّن مَعْرَكَةَ المَصِيْرِ تَكَرْبَلَتْ
فِيْ عَصْرِنَا وَاسْتُجْمِعَتْ أَوْصَالا

نَحْتَاجُ لِلأَبْطَالِ مِنْ سِنْخِ الفَتَىْ
عَبَّاسَ .. يَرْسَخُ وَالجَبَالَ أَزَالا

فِيْ كُلُّ مَوْلُوْدٍ سَنَهْتِفُ: صِرْهُ .. لا
تَعْدُ سِوَاهٌ .. ولا تَكُنْ مُخْتَالا

خُيَلاءُ حَرْبِكَ وَحْدَهَا تَكْفِيْ إِذَا
أَلْبَسْتَ فِرْعَوْناً بِهَا خِلْخَالا

وَغَدَوْتَ وَحْدَكَ لِلسُّيُوفِ مُصَاحِباً
وَالخَصْمُ هَزَّ لِسَيْفِكَ الأَذْيَالا

شارك برأيك: