قصة ثمود قوم صالح (دروس وعبر ) بقلم الاستاذ حسن المطوع

قصة ثمود قوم صالح
دروس وعبر

 

تعالى { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} (61) سورة هود .

قوم ثمود
ثمود ( قوم صالح عليه السلام ) قوم من العرب العاربة كانوا يسكنون منطقة وادي القرى بين المدينة المنورة والشام . كانوا ينحتون من الجبال بيوتا وشغلتهم الفلاحة وإنشاء الجنات والنخيل ، كان يحكمهم سادتهم وشيوخهم وكان فيها تسعة رهط يفسدون في الأرض .
فأرسل الله لهم صالحا وكان منهم من بيت شرفٍ وفِخارٍ معروفًا بالعقل والكفاية . فدعاهم إلى توحيد الله وترك عبادة الأصنام وأن يستخدموا العدل والإحسان وعدم الإستعلاء والظلم .
فكذبوه ورموه بالكذب ، وطلبوا منه دليلا على نبوته بأن يخرج من الصخرة التي كانوا يعظمونها ويعبدونها ناقةً عشراء ، فأخرجها الله كما طلبوا منه . وعلى العادة لم يؤمنوا أيضا ، فطلب منهم صالح عليه السلام أن لا يمسوها بسوء .

كلام صاحب تفسير الأمثل
🔹نرى هنا أن القرآن حين يتحدث عن نبيهم “صالح ” و يذكره على أنه أخوهم فقال تعالى : ( وإلى ثمود أخاهم صالحا )
وأي تعبير أروع وأجمل منه ؟
فهو أخ محترق القلب ودود مشفق ليس له هدف إلا الخير لجماعته .
🔹ونجد أيضا أن منهج الأنبياء جميعا يبدأ بمنهج التوحيد ونفي أي نوع من أنواع الشرك وعبادة الأوثان التي هي أساس جميع المتاعب فبدأ صالح قائلا : ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) .
🔹 ولكي يحرك إحساسهم بمعرفة الحق أشار إلى عدد من نعم الله المهمة التي استوعبت جميع وجودهم فقال :
١- هو أنشأكم من الأرض فأين هذه الأرض والتراب الذي لا قيمة له ؟ وأين هذا الوجود العالي والخلقة البديعة ؟ !
تُرَى هل يجيز العقلُ أن يترك الإنسانُ خالقه العظيم الذي لديه هذه القدرة العظيمة وهو واهب هذه النعم ، ثم يمضي إلى عبادة الأوثان ؟
٢- واستعمركم فيها حيث فوَّض لكم عمارة الأرض ، وطبيعي أن يلازم لازم ذلك أن يجعل وسائل وأسباب عمارتها في اختياركم و تحت تصرفكم .
وهذا الكلام ينطبق على قوم ثمود حيث كانت لديهم أراض خصبة وخضراء ، ومزارع كثيرة الخيرات والبركات ، وكانوا يبذلون في الزراعة ابتكارات وقدرات واسعة ، وإلى ذلك كله كانت أعمارهم مديدة وأجسامهم قوية وكانوا متطورين في بناء المساكن والبيوت .

قوم ثمود يرفضون دعوة صالح ( عليه السلام )
لكن كان جواب المخالفين لنبي الله ” صالح (عليه السلام) ” إزاء منطقه الحي الداعي إلى الحق ، فقالوا :
يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا وكنا نتوجه إليك لحل مشاكلنا ونستشيرك في أمورنا ونعتقد بعقلك وذكائك ودرايتك ، ولم نشك في إشفاقك واهتمامك بنا ، لكن رجاءنا فيك ذهب ادراج الرياح ، حيث خالفت ما كان يعبد آباؤنا من الأوثان وهو منهج اسلافنا ومفخرة قومنا ، فأبديت عدم احترامك للأوثان وللكبار وسخرت من عقولنا أتنهانا عما كان يعبد آباؤنا والحقيقة أننا نشك في دعوتك للواحد الأحد وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب .

صالح صاحب العزم والروح الكبيرة
لكن هذا النبي الكبير لم ييأس من هدايتهم ولم تؤثر كلماتهم المخادعة في روحه الكبيرة فأجابهم قائلا: يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فهل أسكت عن دعوتي ، ولا أبلغ رسالة الله ، ولا أواجه المنحرفين ، فمن ينصرني من الله
إن عصيته ؟
ولكن اعلموا أن كلامكم هذا واحتجاجكم بمنهج السلف والآباء لا يزيدني إلا إيمانا بضلالتكم وخسرانكم قال تعالى ( فما تزيدونني غير تخسير… )

النبي صالح يقدم المعجزة
وبعد هذا كله ومن أجل البرهان على صدق دعوته، وبيان المعاجز الإلهية التي دونها قدرة الإنسان جاءهم بالناقة التي هي آية من آيات الله وقال : ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فاتركوها وذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم . ( ١ )
وطلب صالحٌ منهم أن يقتسموا معها الأكل والشرب ، فلها يوم تأكل وتشرب من الماء ، ولهم يوم ، وكانوا ينتفعون منها ، فكان يشرب كبيرهم وصغيرهم من لبنها ، ومكثوا على ذلك مدة من الزمن .
فقال بعضهم إلى بعض اقتلوا هذه الناقةَ واستريحوا منها فلا نرضى أن يكون لنا شرب يوم ولها شرب يوم .
وأوعزوا قتلها إلى رجل منهم يقال له ( قدار ) وهو شقي من الأشقياء لا يُعرف له أب ، وجعلوا له أجرا على ذلك .
فلما توجهت الناقة لتشرب الماء حتى إذا رجعت ضربها بالسيف وقتلها ، فهرب فصيلها( ولدها ) وتوجه إلى فوق الجبل ، ورغا ثلاثا نحو السماء ، وأقبل قوم صالح واقتسموا لحمها .
فلما رأى نبي الله صالح عليه السلام فعلهم وصنيعهم .
قال لهم : ما دعاكم إلى ما صنعتم ؟ أعصيتم أمر ربكم ؟
وقال لهم صالح عليه السلام إن ربكم يقول لكم إن تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرتُ لكم وتبتُ عليكم ؟ فرفضوا التوبة والإستغفار .
فقال لهم بما معناه أن يصبروا ثلاثة أيام فسيأتيكم العذاب ، و ( لكنهم ) استكبروا وعتوا عتوًا كبيرا وفي اليوم الثالث حتى إذا كان نصف الليل أتاهم جبرئيل فصرخ فيهم صرخة خرقت أسماعهم وفلقت قلوبهم وصدَّعت أكبادهم فماتوا جميعهم في طرفة عينٍ صغيرهم وكبيرهم ، وأرسل الله إليهم نارا من السماء فأحرقهم أجمعين . ( ٢ )
—————————
معاني مفردات وردت في قصة ثمود
-ثمود : إسم لرجل .
-الناقة : هي أنثى الجمل .
-ناقة عشراء : مضى على حملها 10 أشهر ، وفي القرآن ( وإذا العشار عطلت )
-تسعة رهط : يقال أنهم 9 أشخاص كما يروي أهل السير وهم من أكثر المفسدين في قوم ثمود .
فصيل : وَلَدُ الناقة أَو البقرة بعد فطامه وفصله عن أُمه .
رَغَا : ( فعل ماضٍ ) من الرغاء وهو صوت الإبل .
—————————
١- راجع الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي – ج ٦ – الصفحة ٥٨٧
٢- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل .
🔺يوجد بحث روائي حول قصة قوم ثمود في جزء 10 من تفسير الميزان – ص 314 – فمن شاء فليراجع .

 

شارك برأيك: